قناة السويس من سرق عرق المصريين؟

قناة السويس من سرق عرق المصريين؟
وراء كل متر مكعب من التراب أزيح، ووراء كل مسمار دق، قصة عرق ودماء مصرية أُهدرت بلا رحمة. هذه ليست مجرد حكاية قناة، بل حكاية إمبراطوريات صعدت إلى القمة على أكتاف شعب مُستَغَلّ. سنكشف اليوم كيف تم تزييف التاريخ بمهارة، وكيف تحولت معاناة المصريين إلى مجد زائف للآخرين. سنعيد كتابة القصة، قصة العمال المنسيين، قصة قناة السويس الحقيقية، القصة التي لم ترو بعد.
قبل أن نكشف الأدلة الدامغة، شاركونا بآرائكم في التعليقات. من تعتقدون حفر القناة حقًا؟ وهل كانت هذه التضحيات طوعية؟ لا تنسوا الاشتراك في القناة ليصلكم كل جديد من الحقائق المخفية.
تحت الرمال الذهبية لقناة السويس، يرقد لغز أعمق، حقيقة مُغيّبة لم تُدوَّن في كتب التاريخ التي كتبها المنتصرون. نتحدث هنا عن جيش من العمال المصريين، قُدِّر تعداده بمئة وعشرين ألف نسمة، قضوا تحت وطأة العمل القاسي، ضحايا الكوليرا والزحار وأمراض فتاكة أخرى تفشَّت كالنار في الهشيم في بيئة غير إنسانية. الطبيب الفرنسي أنطوان بارتلمي كلامبو، وثَّق في كتابه قناة السويس تاريخها، تفشي الأوبئة والوفيات المروعة، لكن صوته الشجاع خبا وسط ضجيج الاحتفالات الصاخبة. تخيلوا المشهد المروع اثنتا عشرة ساعة متواصلة تحت سياط الشمس الحارقة، قطرات ماء شحيحة لا تكفي لترطيب الرمال، لا راحة تذكر، لا ملجأ. أجساد منهكة، مكدودة، تُساق كالبهائم بسياط الجلد اللاذعة. أجور زهيدة، غالبًا ما كانت تُدفع على شكل حصص غذائية هزيلة، مما جعل العمال أسرى لنظام إعاشة استغلالي.
اندلعت انتفاضات واحتجاجات عمالية عارمة، صرخات مدوية هزت أركان الظلم. لكن تلك الصرخات سرعان ما خفتت تحت وطأة حملة دعائية ممنهجة. خيوط التعتيم بدأت تُنسج بمهارة، لتخفي حقيقة الدماء التي روت رمال القناة. ففي الوقت الذي كانت فيه صور فرديناند دي ليسبس، مهندس المشروع، تغزو الصحف والمجلات الأوروبية، مصورًا كبطل قومي مُلهَم، غابت صور العمال المصريين تمامًا، وكأنهم مجرد أشباح تتلاشى في لهيب الصحراء. أين وجوههم؟ أين قصصهم؟
الأمر تعمق. ففي المعرض العالمي في باريس عام 1867، وهو الحدث الذي استغله دي ليسبس للترويج لمشروعه، ركز الجناح المصري بشكل كامل على التقدم التكنولوجي الأوروبي. تم عرض الآلات الضخمة بتباهٍ، والخرائط التفصيلية التي رسمها المهندسون الفرنسيون بعناية، بينما تم تجاهل مساهمة عشرات الآلاف من العمال المصريين الذين حفروا القناة بأيديهم العارية. ألم يكن لهم فضل؟ ألم يكن لهم وجود؟
حتى الأرقام تم التلاعب بها. ففي حين تشير التقديرات الموثوقة إلى أن حوالي 120 ألف عامل مصري لقوا حتفهم أثناء حفر القناة، بسبب الأمراض والأوبئة وظروف العمل القاسية، كانت الروايات الأوروبية تقلل من هذا الرقم، بل وتهمّشه، وتصف الضحايا ببرود بأنهم خسائر مؤسفة. تقارير شركة قناة السويس الرسمية استخدمت لغة استعمارية مقيتة، مشيرة إلى العمال المصريين بازدراء على أنهم يد عاملة رخيصة، بدلًا من الاعتراف بهم كمساهمين أساسيين.
بل وصل الأمر إلى المناهج الدراسية. ففي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كانت المناهج الفرنسية والبريطانية تصور قناة السويس بصلف على أنها إنجاز هندسي أوروبي بحت، متجاهلة الدور المصري الحيوي. حتى تمثال دي ليسبس الشامخ، كان شاهدًا على هذا التجاهل.
في غمرة احتفالات افتتاح القناة عام 1869، وبينما كان المهندسون الأوروبيون يتلقون التهاني والأوسمة، كانت أصوات آلاف العمال المصريين تتلاشى في صمت. وثيقة رسمية من شركة قناة السويس نفسها، تعود إلى ذلك العام، تكشف بوضوح أن أكثر من 90% من قوة العمل في المراحل الأولى كانوا مصريين. ولكن أين ذكرهم في سجلات التاريخ؟ رسالة من فرديناند دي ليسبس، بتاريخ 1864، تظهر الاعتماد الكامل على العمالة المصرية في الحفر، كلمات تناقض الصورة التي روج لها لاحقًا. وفي الأرشيف الوطني الفرنسي، إحصائية تفصيلية مروعة تظهر أن شركة القناة دفعت للحكومة المصرية مبالغ زهيدة مقابل توفير العمالة، ما فتح الباب لاستغلال الفلاحين بشكل وحشي. أحمد، عامل مصري، تم تسجيل شهادته شفوياً عام 1920، يصف ظروف العمل القاسية والتمييز الصارخ في الأجور. مقالة في جريدة الأهرام عام 1866 تنتقد بشدة هذه الظروف وتطالب بتحسين أوضاع العمال. خريطة أصلية للقناة معروضة في متحف اللوفر، تتجاهل أي مساهمة مصرية، وتركز فقط على المهندسين الأوروبيين. تزييف للتاريخ.
تأثير هذا الإرث يطبع الهوية المصرية بندوب عميقة. ففي عام ١٨٦٩، بينما كانت الأبواق تعلن عن افتتاح قناة السويس باحتفالية صاخبة، غاب العمال المصريون، بناة القناة الحقيقيون، عن حفل التتويج. غيابهم لم يكن صدفة، بل تجسيدًا مؤلمًا لسياسة إقصاء ممنهجة. أكثر من ١٢٠ ألف مصري قضوا نحبهم، أجسادهم أُهلكت في سبيل إنجاز ديليسبس، أرواحهم دُفنت في رمال القناة. في عهد عبد الناصر، استُخدمت القناة كرمز للسيادة، لكن حتى في هذا الخطاب الوطني، ظلت معاناة العمال حبيسة الظل. بعد التأميم عام ١٩٥٦، احتفلنا بالإنجاز الهندسي الباهر، متناسين التضحيات البشرية الهائلة التي قُدمت.
اليوم، يجب أن نعيد كتابة التاريخ. فقناة السويس لم تكن مجرد إنجاز هندسي باهر، بل مأساة إنسانية مروعة. ما يقدر بعشرين ألف عامل مصري قضوا نحبهم، ضحايا الكوليرا والعمل القسري، بينما كانت قراهم تُدمر لإفساح المجال لهذا المشروع الضخم. لم يكونوا مجرد أرقام، بل آباء وأبناء أُجبروا قسرًا على العمل بأجور زهيدة. حان الوقت لإنصافهم. إنصافهم يعني تصحيح مناهجنا الدراسية، وإبراز دورهم الحقيقي والجوهري في بناء هذا الصرح العظيم. يجب أن تتحول تلك الإشارات الخجولة بالعرفان إلى تقدير حقيقي عميق يخلد ذكراهم.
لقد كشفنا اليوم النقاب عن حقيقة مُغيّبة، وأزلنا الغبار عن قصة طالما طُمست. قناة السويس، هذا الشريان الحيوي الذي يربط الشرق بالغرب، لم تُبنَ بسواعد المهندسين الأوروبيين وحدهم، بل بعرق ودماء آلاف المصريين الذين قُدِّموا كقربان على مذبح الطموحات الاستعمارية. هذا الإرث الث


